-->

حكاية الثعلب والغراب

        تحليل النص القرائي ((الثعلب والغراب)) قالت شهرزاد : ((بلغني أيها الملك السعيد أن ثعلبًا سكن في بيت من الجبل وكان كلما ولد ولدًا وأشتد ولده أكله من الجوع  وإن لم يأكل ولده وخلاه عنده وقعد يحفظه ويحرسه مات من الجوع وأضر به ذلك.  وكان يأوي إلى ذروة ذلك الجبل غراب ،  فقال الثعلب في نفسه أريد أن أعقد بيني وبين هذا الغراب مودة وأجعله لي مؤنسًا على الوحدة ، ومعاونًا لي على طلب الرزق ، لأنه يقدر من ذلك على مالا أقدر عليه)) .  فدنا الثعلب من الغراب حتى صار قريبًا منه بحيث يسمع كلامه ،  فسلم عليه ثم قال له  : ((يا جاري ، إن للجار المسلم على الجار المسلم حقين حق الجيرة  وحق الإسلام . واعلم يا خليلي بأنك جاري ولك علي حق يجب قضاؤه وخصوصًا مع طول المجاورة ، وإن في صدري  وديعة من محبتك دعتني إلى ملاطفتك وبعثتني على التماس أخوتك،  فما عندك من الجواب؟)) .  فقال الغراب للثعلب إن خير القول أصدقه وربما تتحدث في لسانك بما ليس في قلبك ،  وأخشى أن تكون أخوتك باللسان ظاهرًا وعداوتك في القلب باطنا،  لأنك آكل وأنا مأكول. فما الذي دعاك إلى طلب مالا تدرك وإرادة مالا يكون وأنت من جنس الوحوش وأنا من جنس الطير؟ هذه الأخوةلا تتم و لا تصح)).
         فقال له الثعلب : (( قد أحببت قربك ، واخترت الأنس بك ليكون بعضنا عونًا لبعض على أغراضنا ويعقب مودتنا النجاح.  وعندي حكايات في حسن الصداقة إن أردت أن أحكيها حكيتها)). اسمع يا خليلي : (( زعموا أن فأرة كانت في بيت رجل من التجار عظيم التجارة كثير المال ، فآوى البرغوث ليلة إلى فراش التاجر فوجد له  بدنًا ناعمًا ، وكان البرغوث عطشان فشرب من دمه ، فوجد التاجر من البرغوث ألمًا ، فاستيقظ من النوم  فجلس قاعدًا ونادى لجواريه وبعض أتباعه ،  فأسرعوا إليه وشمروا عن أيديهم يطوفون على البرغوث.  فلما أحس البرغوث بالطلب ولى هاربًا ،  فصادف جحر الفأرة
فدخله. فلما رأته الفأرة قالت له : (( ما الذي أدخلك علي ولست من جوهري ولا من جنسي ولست بآمن من
الغلظة عليك ولا المنازعة إليك ولا مضارتك؟)) .  فقال لها البرغوث : (( إني هربت إلى منزلك وفزت بنفسي من القتل وأتيتك مستجيرًا بك ولاطمع لي في بيتك.  وإني أرجو أن أكافئك على إحسانك)). 

         فلما سمعت الفأرة كلام البرغوث قالت : (( إذا كان الكلام علي ما رسمت وأخبرت فاطمئن هنا وما عليك إلا مطر السلامة ،  ولا تجد إلا ما يسرك ولا يصيبك إلا ما يصيبني ،  وقد بذلت لك مودتي ولا تندم على ما فاتك من دم التاجر ، ولا تأسف على قوتك منه ، وارض بما تيسر لك)).
         فلما سمع البرغوث كلام الفأرة قال : (( يا أختي قد سمعت وصيتك وأنا منقاد  إلى طاعتك ولا قوة لي على مخالفتك إلى أن ينقضي العمر بتلك النية الحسنة)). فقالت له الفأرة : ((كفى بصدق المودةصلاح النية)). فاتصل الود  وانعقد  بينهما . وكان البرغوث بعد ذلك يأوي إلى فراش التاجر ولا يتجاوز بلغته ويأوي بالنهار مع الفأرة في مسكنها . فاتفق أن التاجر جاء ليلة إلى منزله بدنانير كثيرة فجعل يقلبها، فلما سمعت الفأرة صوت الدنانير أطلعت رأسها من جحرها وجعلت تنظر إليها حتى وضعها التاجر تحت وسادة ونام فقالت الفأرة للبرغوث : (( أما ترى الفرصة والحظ العظيم؟ فهل عندك حيلة توصلنا إلى بلوغ الغرض من تلك الدنانير؟)). فقال البرغوث : إنه لا يحسن لمن طلب الغرض إلا أن يكون قادرا عليه. فإن كان ضعيفا عنه وقع فيما يحذره ولم يدرك مراده مع الضعف، وإن استحكمت قوة المحتال، كالعصفور الذي يلتقط الحب فيقع في الشبكة يقتنصه صائده ، وليس لك قوة على أخذ الدنانير ولا على إخراجها من البيت ، وأنا لا طاقة لي على ذلك ، بل ولا أقدر على حمل دينار واحد منها. فأنت وشأنك بالدنانير. فقالت : (( إني أعددت في جحري هذا سبعين منفذا أخرج منها إذا طلبت الخروج  ، وأعددت للذخائر موضعا حريزا ، وإذا تحيلت أنت وأخرجته من البيت فلست أشك في الظفر إن ساعدني القدر)). فقال لها البرغوث : ((قد التزمت بإخراجه من البيت)). ثم انطلق البرغوث إلى فراش التاجر ولدغه لدغة مفزعة لم يكن تقدم للتاجر مثلها. و تنحى البرغوث إلى موضع يأمن فيه على نفسه من التاجر . فانتبه التاجر يطلبه فلم يجده ، فرقد على جنبه الآخر فلدغه البرغوث لدغة أشد من الأولى ،  فقلق التاجر وفارق مضجعه إلى مصطبة على باب داره فنام هناك ولم ينتبه إلى الصباح . ثم إن الفأرة أقبلت على نقل الدنانير حتى لم تترك منها شيئًا. فلما أصبح الصباح صار التاجر يتهم الناس ويظن بهم الظنون.
ألف ليلة وليلة ، دار صادر ، ج1 ، 1999 ، ص / ص . 356 – 358 (بتصرف)


أولا : ملاحظة النص واستكشافه :

1- العنوان : يتكون العنوان من أربع كلمات تكون فيما بينها مركبين : الأول إضافي (حكاية الثعلب) والثاني عطفي (الثعلب والغراب). ويتضمن مؤشرا يدل على نوعية النص (حكاية) ، وآخر يدل على علاقة بين الثعلب والغراب (واو العطف)
2- بداية النص : تشير إلى السارد (شهرزاد) والمسرود له (الملك شهريار) ونلاحظ فيها تكرار لفظة من ألفاظ العنوان (الثعلب) مما يدل على أهميته في الحكاية.
3- نهاية النص : لم يتكرر فيها العنوان ، حيث نتفاجأ بوجود شخصيتين أخريين غير الثعلب والغراب ،  وهما : (الفأرة والبرغوث). كما تشير هذه النهاية إلى حدث عجيب ينسجم مع خصائص الحكاية العجيبة ، وهو : نقل الفأرة للدنانير.
4- نوعية النص : نص حكائي ذو بعد فني/  ثقافي.

ثانيا : فهم النص :

1- الإيضاح اللغوي :
- ذروة : ذروة الشيء : قمته
- خليلي : الخليل : الصديق المختص.
- مستجيرا : مستغيثا
2- الحدث الرئيسي :
محاولة الثعلب إقناع الغراب بمصادقته .

ثالثا : تحليل النص :

1- أحداث الحكاية :
 الحكاية
 السارد
 المسرود له
 العقدة  1
 الحل 1
 العقدة 2
 الحل 2
 الأولى  شهرزاد  شهريار  أكل الثعلب لأولاده من الجوع  التماس مصادقة الغراب ليعينه على طلب الرزق والامتناع بالتالي عن أكل أولاده  تردد الغراب في قبول صداقة الثعلب وحذره في ذلك.  ضرب الثعلب مثالا في الصداقة بين البرغوث والفأرة لإقناع الغراب
 الثانية  الثعلب  الغراب  مطاردة البرغوث رغبة في قتله ، وغضب الفأرة منه بعد دخوله إلى جحرها.  تبرير البرغوث سبب دخوله إلى جحر الفأرة ، واعتذراه منها وابداؤه رغبة في رد الجميل إليها  رغبة الفأرة في أخذ دنانير التاجر وعدم قدرتها على الوصول إليها لوحدها  الاستنجاد بالبرغوث الذي لدغ التاجر وأبعده عن بيته ليعطي بذلك فرصة للفأرة لتنقل الدنانير إلى جحرها.
2- الشخصيات وأوصافها :
 الشخصيات
 الثعلب
 الغراب
 البرغوث
 الفأرة
 أوصافها
 ماكر وباحث عن مصلحته الشخصية  الحيطة والحذر  الضعف ورد الجميل  باذلة للمودة ومشفقة على البرغوث


رابعا : التركيب والتقويم :

      رغم أن النص يتضمن حكايتين، إلا أن القاسم المشترك بينهما هو موضوع الصداقة وما يرتبط بها من معاني المودة والإخلاص والوفاء والثقة . حيث بدا الثعلب في الحكاية الأولى متحمسا لمصادقة الغراب حتى يعينه على تنفيد أغراضه ومصالحه الشخصية ، غير أن الغراب أبدى حيطة وحذرا من هذا الكائن الذي طالما عرف بمكره وخداعه ولم يصدق أن هذا النوع من الصداقة ممكنة. وهذا ما جعل الثعلب يروي له حكاية أخرى أعطى من خلالها دليلا على إمكانية الصداقة بين الكائنات التي تنتمي إلى أجناس مختلفة. فهل كان الثعلب صادقا في طلبه ؟ وهل كانت حكايته مقنعة بدرجة تدفع الغراب إلى قبول صداقته ؟
      من الواضح أن الثعلب يطلب المستحيل واللاممكن ، فالمنطق لا يقبل هذا النوع من الصداقة ، ولعل الحكاية الثانية مجرد حيلة وخدعة من الثعلب الماكر للإيقاع بالغراب. والدليل على ذلك يتضح عندما نقارن بين طالب الصداقة والمطلوبة منه في الحكايتين معا :
- في الحكاية الأولى  يبدو طالب الصداقة (الثعلب)  في موقف أقوى من المطلوبة منه (الغراب)
- في الحكاية الثانية يبدو طالب الصداقة (البرغوث) في موقف أضعف من المطلوبة منه (الفأرة)
فإذا كانت الصداقة ممكنة في الحكاية الثانية  لأن الفأرة  (الطرف المطلوبة منه الصداقة) تتواجد في موقف قوة ، ولن تخسر شيئا من هذه الصداقة ، فإن الصداقة في الحكاية الأولى تبدو مستحيلة لأن الغراب (الطرف المطلوبة منه الصداقة) يتواجد في موقف ضعف ، وقد يغامر بحياته إن هو قبل بهذا النوع من الصداقة.
*****************************
        جاء في نهاية  حكاية الثعلب والغراب :

ثم قال الثعلب للغراب واعلم أني لم أقل لك هذا الكلام أيها الغراب البصير العاقل الخبير إلا ليصل إليك جزاء إحسانك إلى كما وصل للفأرة جزاء إحسانها إلى البرغوث فانظر كيف جازاها أحسن المجازاة وكافأها أحسن المكافأة . فقال الغراب إن شاء الحسن يحسن أو لا يحسن وليس الإحسان واجبًا لمن التمس صلة بقطيعة. وإن أحسنت إليك مع كونك عدوى أكون قد أتسبب في قطيعة نفسي .  وأنت أيها الثعلب ذو مكر وخداع ومن شيمتك المكر والخديعة ، لا تؤمن على عهد ، ومن لا يؤمن على عهد لا أمان له ، وقد بلغني عن قريب أنك غدرت بصاحبك الذئب ومكرت به حتى أهلكته بغدرك وحيلتك وفعلت به هذه الأمور مع أنه من جنسك ، وقد صحبته مدة مديدة فما أبقيت عليه،  فكيف أثق منك بنصيحة ، وإذا كان هذا فعلك مع صاحبك الذي من جنسك فكيف يكون فعلك مع عدوك الذي من غير جنسك…